إعـــجـــاز جــمـيــل فــى الــقــرآن الــكـــريـــم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كل سورة من سور القرآن الكريم تعبر عن وحدة مستقلة بذاتها ، ويكون فيها فكرة تقوم بتبليغها وتدو رحولها. كما يكون لكل سورة علاقة بما قبلها وما بعدها من السور الموجودة فى المصحف الشريف.
وسورة الكوثر التى نحن بصدد دراستها لها موضوع تقوم بتبليغه ألا وهو الانتصار للنبي صلى الله عليه وسلم.
وهى سورة العطاء (إنا أعطيناك الكوثر) ولكن نلاحظ أنها ليست هى السورة الوحيدة التى كانت تتحدث عن هذا العطاء وتبشر به.
فقد ذكر الوعد بالعطاء فى سور أخرى مها سورة القلم حيث يقول تعالى : (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) ) [القلم]
ويقول أيضاً فى سورة الضحى : (وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)) [الضحى]
وفى سورة الكوثر يقول : (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)) [الكوثر].
وإذا تدبرنا هذه الآيات الثلاثة وسورها نجد إشارات عالية جداً:
أولاً : ترتيب هذه السور فى المصحف هو نفس ترتيبها فى النزول : القلم ثم الضحى ثم الكوثر.
ثانياً : أن ترتيب العطاء فى السور الثلاثة يتوافق مع ترتيب السور.
ففى سورة القلم يقول ربنا : (وإن لك لأجراً غير ممنون) ثم فى سورة الضحى يقول : (ولسوف يعطيك ربك فترضى) ثم فى سورة الكوثر يقول : (إنا أعطيناك الكوثر).
ولنسوق مثالاً من واقعنا لنفهم هذا الكلام.
عندما يقوم أحد الأغنياء باستعمال أو استئجار أحد العمال ليعمل عنده فإنه يقول له : سوف يكون لك (أجراً) كبيراً. وهذا يتشابه مع قوله تعالى : (وإن لك لأجراً غير ممنون) فالأجر هناك غير معرف.
وبعد أن يعمل عنده ويعجب صاحب العمل عمله ، فتشجيعاً له يبشره بقوله : سوف أعطيك أجراً ترض ى عنه وتقر به عينك. وهذا شبيه بقوله تعالى : (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وهنا أصبحت السورة أقرب للذهن عن هذا العطاء العظيم.
وبعد أن يفرغ من العمل الذى أداه على أكمل وجه يقول له سيده : إليك الأجر الذى وعدتك به ها هو. وهذا شبيه بقوله تعالى : (إنا أعطيناك الكوثر) حيث تصبح عملية العطاء رأى عين ومشاهدة.
ونلاحظ ملمحاً مهماً هنا وهو أن القرآن الكريم كان ينزل مفرقاً على مدار ثلاثة وعشرين عاماً فىمناسبات عدة وأحداث متفرقة ، ولكنه عندما جمع بعدما اكتمل نزول الوحى أصبح يمثل هذه التكاملية العجيبة والجميلة والمعجزة. بل أصبح يعبر عن منظومةمعرفية متكاملة ومتوافقة ومنسجمة